المؤمن من خصائصه أنه يتغنى بالقرآن ، و كأن المنافق والكافر من خصائصه أن قرآنه هو الغناء ، والغناء يحجبه عن الله عز وجل. بل إن النبي عليه الصلاة و السلام فيما روى عنه أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ * وَزَادَ غَيْرُهُ يَجْهَرُ بِهِ (رواه البخاري)
لو انتقلنا إلى الأدلة :
من القرآن
_1 قال الله تعالى }: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ{ سورة لقمان .(6)
فعن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الآية فقال : تعني الغناء ، والله الذي لا إله إلا هو - يرددها ثلاث مرات - إنها الغناء
وقال ابن عباس وجابر و عكرمة و سعيد بن جبير ومجاهد و مكحول و عمرو ابن شعيب وعلي بن نديمة و الحسن البصري إن هذه الآية نزلت في الغناء و المزامير "
_2قول الله تعالى : " أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وانتم سامدون " . قال عكرمة عن ابن عباس " السمود" : الغناء في لغة حِمير " رواه ابن ابي الدنيا والبزار وابن جرير والبيهقي ، وفي قول لابن عباس "وانتم سامدون" قال الغناء باليمانيّة ، فيقال : اسمدي لنا ، أي غنّي لنا ، قال ابو عبيدة : المسمود : الذي غُنّيَ لهُ ، وهذا لا يناقض ما قيل مع هذه الآية " من انّ السمود الغفلة والسهو عن الشيء ، فالغناء يجمع هذا كله ويوجبه
_3قال تعالى للشيطان وحزبه :" اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاءً موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا " الإسراء " 63 -64
واستفزز من استطعت منهم بصوتك " قال ابن عباس " كل داعٍ الى معصية " ومن المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي الى المعصية ، ولهذا سمي بصوت الشيطان ، وروى ابن جرير عن منصور عن مجاهد قال : صوته هو المزامير
من الأحاديث الشريفة الصحيحة
_1 فعن أنس بن مالك قال عليه الصلاة والسلام : إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار : إذا ظهر فيهم التلاعن ، ولبس الحرير، واتخذوا القينات، وشربوا الخمر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء * الشذوذ )رواه البيهقي(
القينات جمع قينة .. وهى المغنية.
_2 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري(
_3قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن الله بعثني رحمة للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات )مسند أحمد (
_4وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (رواه ابن ماجه)
_5وفي حديث آخر عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا (رواه البخاري)
المقصود الشعر الغزلي الغنائي ، تجد الآن دواوين غزل بأكملها ، و أصحابها في أعلى مكانة وكلها من الأدب المكشوف ، ومن وصف مفاتن المرأة ، وكأنها أمجاد لهذا الشاعر .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا الشَّيْطَانَ أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا (رواه مسلم)
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ":انما الشعر كلام مؤلف فما وافق منه الحق فهو حسن " وقال ": ان من البيان لسحرا "
واما الأناشيد والمدائح النبوية ، او غناء اي شعر يحثّ على الفضيلة ونبذ الرذيلة فلا بأس به ، إن لم يدخل فيه الآلات الموسيقية ، التي ورد تحريمها في الشرع بشكل صريح ، أما الدف فقد اجازه كثير من العلماء و استدلوا عليه من حديث :" أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف " .
_6فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ فَوَجَدَهُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ)اي قد توفاه الله ( فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَكَى فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَتَبْكِي أَوَلَمْ تَكُنْ نَهَيْتَ عَنْ الْبُكَاءِ قَالَ لَا وَلَكِنْ نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ (رواه الترمذي)
_7 وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة ؛ صوت مزمار عند نعمة ، وصوت ورنَّة عند مصيبة. (رواه البزار في مسنده)
_8قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ": الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل "رواه ابن ابي الدنيا في ذمّ الملاهي فمن علامات النفاق : قلّة ذكر الله عز وجل ، والكسل عند القيام الى الصلاة ونقرُ الصلاة ، ويثقل عليه سماع القرءان وقل ان تجد مفتوناً بالغناء الا وهذا وصفه . وورد في اسماء الغناء : الصوت الأحمق والصوت الفاجر
_9وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ وَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ (رواه أحمد)
و الكوبة هي الطبل .
_10و في حديث آخر عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَاكَ قَالَ إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ (رواه الترمذي)
_11 وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ فِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ (رواه الترمذي)
12_ وعن نافع أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع ، فوضع أصبعيه في أذنيه وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول : يا نافع أتسمع ؟ فأقول : نعم ، فيمضي حتى قلت : لا ، فرفع يده وعدل راحلته إلى الطريق وقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع زمارة راع فصنع مثل هذا( رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) .
و علق على هذا الحديث الإمام القرطبي قائلاً: "قال علماؤنا: إذا كان هذا فعلهم في حق صوت لا يخرج عن الاعتدال، فكيف بغناء أهل هذا الزمان وزمرهم؟!" (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي).
* ويستثنى من ذلك الدف - بغير خلخال- في الأعياد والنكاح للنساء، وقد دلت عليه الأدلة الصحيحة.
قول الصحابة و أئمة أهل العلم
1_ قال القاسم بن محمد رحمه الله: الغناء باطل، والباطل في النار.
2_ قال النحاس رحمه الله: هو ممنوع بالكتاب والسنة، وقال الطبري: وقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء، والمنع منه. و يقول الإمام الأوزاعي رحمه الله: لا تدخل وليمة فيها طبل ومعازف. وقال الحسن البصري رحمه الله: إن كان في الوليمة لهو –أى غناء و لعب-، فلا دعوة لهم (الجامع للقيرواني).
_3يزيد بن الوليد يقول : يا بني أمية إياكم و الغناء ، فإنه ينقص الحياء ، و يزيد في الشهوة ، و يهدم المروءة ، وإنه ينوب عن الخمر ، و يفعل ما يفعل السكر.
_4وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع ، والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع ".
_5وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه كتب إلى مؤدب ولده : " ليكن أول ما تفعل مع ابني أن تبغضِّه الملاهي ، فإن صوت المعازف ، و استماع الأغاني ، و الله بما ينبت النفاق في القلب ، كما ينبت العشب على الماء هو حرام " ، و ذكر بعضهم عن مكحول رضي الله عنه أنه : لم نكن لنصلي على رجل عنده مغنية " ، وإذا عنده ألف شريط غناء!!
* قال الإمام عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه: الغناء مبدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن (غذاء الألباب)
_6قال أبو بكر الصديق: " الغناء والعزف مزمار الشيطان ".
مذاهب الفقهاء في تحريم الغناء وآلات العزف
_1أما الامام مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه وقال ": اذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له ان يردها بالعيب ."وسئل مالك رحمه الله عما يرخص فيه اهل المدينة من الغناء ؟ فقال " :انما يفعله عندنا الفساق )"تلبيس ابليس ص 258/259) .
_2اما مذهب احمد رحمه الله فانه كان الغناء في زمانه انشاد قصائد الزهد إلا أنهم لما كانوا يلحنونها اختلفت الرواية عنه ، فروى عنه ابنه عبد الله انه قال : الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني . وقد كره احمد القصائد لما قيل له أنهم يتماجنون به ، ثم روي عنه ما يدل على انه لا بأس به ، وطبعاً المقصود به غناء القصائد التي تتكلم عن الزهد والتفكير والتوحيد وغيره من الامور الحسنة ويدل على تحريمه للغناء بالاشعار المطربة المثيرة للطبع الى العشق. ان رجلا مات وترك ولدا وجارية مغنية ، فاحتاج الصبي الى بيعها فقال لا تباع على انها مغنية فقيل له انها تساوي ثلاثين الف درهم ولعلها اذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا فقال احمد :" لا تباع الا على انها ساذجة " . قال المضيف : اذ لو لم يكن الغناء محظورا ما اجاز تفويت المال على اليتيم .
_3 واما مذهب الامام ابو حنيفة فانه يكره الغناء ويجعله من الذنوب وقوله فيه أغلظ الاقوال ، وقد صرح اصحابه تحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار وغيره وحتى الضرب بالقضيب ، وصرحوا بانه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة
_4وقال الشافعي في كتاب أدب القضاء " : ان الغناء لهو مكروه ، يشبه الباطل والمحال ، ومن استكثر منه فهو سفيه تردّ شهادته "
وخلاصة القول ان الغناء الفاحش والداعي الي المعصية هو أداة الشيطان بل صوت الشيطان الذي يدخل الى قلوب العباد فيفسدها ويحثّها على المعاصي ويصدّها عن ذكر الله وعن سماع القرءان
ولنسمع كلام الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار فهو الشفاء لما في الصدور ) قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء ) وهو مطردة لوساوس الشيطان والأفكار الدنية ، ومن سمع القرءان نزل على قلبه السكينة والطمأنينة كما قال عز وجل" : ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
والله أعلم .
No comments:
Post a Comment