Wednesday, November 2, 2011

حكم قراءة الفاتحة بعد الدعاء ، و عند عقد الزواج ، و لأرواح الأموات و غير ذلك مما لم يشرعه الشرع




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

إن الناس قد ابتدعوا أموراً كثيرة مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بقراءة القرآن الكريم بشكل عام، وقراءة سورة الفاتحة بشكل خاص.
فلا نعلم لقراءة الفاتحة بعد الدعاء أصلا من الكتاب أو السنة، أو عمل سلف هذه الأمة الصالح، فالأولى اجتناب ذلك، لئلا يفضي إلى الوقوع في البدعة، بل ورد الجزم بكون ذلك بدعة في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية ونصها: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ الفاتحة بعد الدعاء فيما نعلم، فقراءتها بعد الدعاء بدعة. انتهى.
ويستحب ختم الدعاء بذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما يفتتح بذلك، فقد روى أبو داود والترمذي عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته فلم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بما شاء. وقد استدل على ختمه بالثناء على الله بقول الله تعالى: وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس: 10[
أما قراءة الفاتحة عند عقد الزواج هذا ليس بمشروع ؛ بل هذا بدعة ، حتى قد أصبح البعض يطلق عليها قراءة الفاتحة وليس العقد. وقراءة الفاتحة أو غيرها من السور المعينة لا تُقرأ إلا في الأماكن التي شرعها الشرع. فإن قُرأت في غير الأماكن تعبدًا ؛ فإنها تعتبر من البدع. وقد رأينا كثيرًا من الناس يقرأون الفاتحة في كل المناسبات!
حتى أننا سمعنا من يقول : اقرؤوا الفاتحة على الميت ، وعلى كذا وعلى كذا ، وترى وتسمع قارئ القرآن بعد أن ينهي قراءته، يقول: "الفاتحة"!! ونرى المدرس بعد أن ينهي درسه يقول الفاتحة!! وكذلك فإنهم يقرأون الفاتحة عند اتفاق الناس على أمر ما، مثل إقامة شركة بين اثنين مثلاً، فبعد الاتفاق يقولون: "الفاتحة"، وكذلك بعد إجراء مراسم الصلح يقولون: "الفاتحة"، وغير ذلك من الحالات التي تقرأ فيها سورة الفاتحة. وهذا كله من الأمور المبتدعة ومنكرة ؛ فالفاتحة وغيرها من السور لا تُقرأ في أي حال ، وفي أي مكان ، وفي أي زمان ؛ إلا إذا كان ذلك مشروعًا بكتاب الله أو بسنة رسوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ؛ وإلا فهي بدعة يُنكر على فاعلها.
وكل ذلك من الأمور المبتدعة في الدين التي ليس عليها دليل من الشرع، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك، ولا يجوز شرعاً لأحد أن يخص سورة الفاتحة أو آية من القرآن الكريم بالتلاوة قي وقت معين أو لغرض معين، إلا ما خصه الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في السنة من تخصيص قراءة سورة الفاتحة للرقية، وقراءة آية الكرسي عندما يريد الإنسان النوم حفظاً من الشيطان، وقراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} للرقية، فهذا وأمثاله جائز لثبوته عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأدلة صحيحة.

وأما تخصيص قراءة الفاتحة في الحالات الذي ذكرتها سابقاً فلا يجوز، لأنه أمر محدث، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (رواه البخاري ومسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" (رواه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح)، وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور" (رواه أبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح(.

وقد شرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم عند النكاح، خطبة النكاح، قال الإمام الترمذي: «باب ما جاء في خطبة النكاح»، ثم ذكر حديث ابن مسعود، الذي ذكره ابن القيم مضمونه في كلامه الآتي.
وقال العلامة ابن القيم: «فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار النكاح»، ثم قال: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه علمهم خطبة الحاجة، وهي: "الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، ثم يقرأ الآيات الثلاث: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران [102  يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [سورة النساء /1]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [سورة الأحزاب[72,71/
قال شعبة: "قلت لأبي إسحاق: هذه في خطبة النكاح أو في غيرها؟ قال: في كل حاجة" (زاد المعاد 2/454 – 455

هذه هي السنة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلينا اتباعها، فإن الخير كل الخير في الاتباع، وإن الشر كل الشر في الابتداع.
وأما قراءة الفاتحة لأرواح الأموات؛ فهذا من البدع، وأرواح الأموات لا تقرأ لها الفاتحة؛ لأن هذا لم يرد من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من عمل سلف هذه الأمة، وإنما هو شيء مبتدع؛ لا في المسجد ولا في المقبرة، ولا في البيت ولا في غيره، وإنما المشروع للأموات الدعاء لهم إذا كانوا مسلمين بالمغفرة والرحمة، والتصدق عنهم، والحج عنهم هذا هو الذي وردت به الأدلة، أما قراءة القرآن الكريم لأرواح الأموات، أو قراءة الفاتحة لأرواح الأموات؛ فهذا شيء محدث وبدعة.
فهل قراءة القرآن عِبادة أو عادة ؟!
الجواب : قراءة القرآن عِبادة .إذا فالعبادات توقيفية ، فلا يُعمَل شيء منها إلاَّ بِدليل ، وليس هناك دليل على جواز قراءة القرآن على أرواح الأموات ، ولا قراءة القرآن وإهداء الثواب للأموات .ولو كان ذلك الفعل جائزا لَدَلّ النبي صلى الله عليه وسلم أمّته عليه ، ولأمَر به ، أو فَعَله .ولو كان ذلك خيرا لسبقنا إليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنهم ، فهم كانوا أحرص الناس على الخير .فلمَّا لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأذن به ، ولم يفعله أحد من أصحابه رضي الله عنهم ؛ عُلِم أن فِعل ذلك من البِدَع الْمُحْدَثَة .
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : اتَّـبِعوا ولا تَبْتَدِعوا ؛ فقد كُفِيتم . رواه الدارمي . ومن هذا الباب ترك الناس للمشروع مِن الصدقة عن الميت والدعاء له ، واستبدال ذلك بأمور مُحدَثَة مثل : قراءة القرآن على أرواح الأموات ، أو إهداء ثواب العمل مِن صلاة وقراءة قرآن ونحو ذلك . فينبغي البقاء على الأصل وهو أنها عبادة توقيفية، فلا تفعل للأموات بخلاف الصدقة عنهم والدعاء لهم والحج والعمرة وقضاء الدين، فإن هذه الأمور تنفعهم، وقد جاءت بها النصوص.
 لم يَثبُت عن الرَّسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وصحابتِهِ أنَّهم قرؤوا الفاتحةَ أو غيرَها على الأمواتِ؛ بل كان الرَّسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول لأصحابِه عندَ فَراغِه مِن دفنِ الميِّت: » استَغفِروا لأَخِيكم، وسَلُوا لهُ التَّثبيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسألُ. «
و لم يُعلِّم الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- صحابتَه أن يقرؤوا الفاتحةَ عِندَ دُخول المقبرة؛ بل علَّمهم أن يقولوا: »السَّلام عليكُم أهلَ الدِّيار مِن المؤمنين، وإنَّا إن شاء اللهُ بِكُم لاحِقون، أسأل اللهَ لنَا ولكُم العافِيَةَ«
و لأنَّ القرآنَ أنزلهُ الله للأحياءِ ليَعمَلُوا به، لا للأمواتِ؛ قالَ اللهُ -تَعالَى- عن القرآن: }لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا{، وفي الحديثِ: قالَ: »إذا ماتَ الإنسانُ انقطَعَ عَملُهُ إِلا مِن ثَلاثٍ: صَدقةٍ جارِيَةٍ، أو عِلمٍ يُنتَفَعُ بهِ، أَو وَلَدٍ صالِحٍ يَدعُو لَهُ«
و ذكرَ ابنُ كثيرٍ في تَفسيرِ قولِ اللهِ -تَعالَى-: }وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى{؛ فقالَ: أي: كما لا يُحملُ عليه وِزرُ غَيرِه؛ كذلك لا يحصلُ مِن الأجر إلا ما كسبُ هو لنَفسِه.
ولا تجوز قراءة الفاتحة على جميع الأموات والأحياء - أعني الأنبياء والشهداء والأولياء وسائر المؤمنين والأقارب - بعد الانتهاء من الصلاة أو في أي وقت آخر. ليس لهذا أصل في الشرع المطهر، ولم تشرع قراءة الفاتحة لأحد؛ لأن هذا لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، فلا أصل له.

الخلاصـة:

إنَّ قراءةَ الفاتحة للأموات، وإلى رُوح النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وعند عقد النِّكاح، وغيرها؛ مِن البدع التي لا دليلَ عليها من الدِّين، وفي الحديث:
»
مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عَليهِ أَمرُنا؛ فَهُو رَدٌّ. «
وقال ابنُ عُمرَ -رضيَ اللهُ عنهما-: «كلُّ بِدعةٍ ضَلالةٌ، وإنْ رَآها النَّاس أنَّها حسَنة«
وقال غضيف مِن السَّلف: «لا تَظهرُ بِدعةٌ إلا تُرك مثلُها سُنَّة «

وهذه البدع أماتت سُننًا وهي:

1-
الدُّعاء للميِّت بالتَّثبيت، والاستِغفار له؛ لأنَّ الملائكة تَسأله في قبره: مَن ربُّك ؟ ما دينُك؟ مَن نبيُّك؟
2-
الصَّلاة على النَّبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم
3- قراءة خُطبة الحاجة -وتقدَّمت من قبل-، والقول للزَّوج: بارك الله لكما، وجمعَ بينكما بخير.

والله الموفق.

No comments:

Post a Comment